أسرار الزيارة…باريس تغازل الغنوشي.. لبس لها ربطة عنق فتحجب له ! هل تراها راودته عن نفسه ام راودها عن نفسها؟
نصرالدين السويلمي
باريس تغازل الغنوشي.. لبس لها ربطة عنق فتحجب له ! هل تراها راودته عن نفسه ام راودها عن نفسها؟
بعيدا عن زيارات الغنوشي السابقة للالتقاء بالجالية أو القواعد النهضاوية التي شهدتها فرنسا، فان زيارة زعيم النهضة الاشهر الى باريس كانت للقاء الباجي وما ترتب عن ذلك من اتفاق ترك بصماته على التجربة وستمتد تأثيراته إلى مستقبل التجربة، تلك الزيارة المهمة، ثم تأتي زيارة الاهم، زيارة ماي 2019 المثقلة بالدلالات، يمكن القول انها زيارة من الوزن الثقيل، تونسيا فرنسيا واقليميا، ويزداد اليقين بأهميتها اذا علمنا ان الغنوشي سيلتقي بمسؤولين فرنسيين في الرئاسة وفي الخارجية وفي الجمعية العمومية “البرلمان” وكذا في مجلس الشيوخ، اضافة الى لقاءات بُرمجت مع مراكز أبحاث متخصصة الى جانب الالتقاء بوسائل الاعلام، هذا فيما يتعلق بالنشاط مع الجانب الفرنسي ، طبعا دون ان يتخلى الغنوشي عن تقاليده حين يزور هذه البلاد او تلك، حيث دأب على عقد لقاءات مع الجالية ومع الحاضنة النهضاوية.
لا شك انه يصعب او يستحيل ادراج الزيارة في سياقات روتينية او حتى دعائية ولا يمكن اعتبارها نوعا من التوسع باتجاه المعسكر الفرنسي الذي تحتكره قوى علمانية مغالبة للنهضة، لا يمكن إدراج هذه الزيارة إلا ضمن سياسة النفس الطويل التي اعتمدها الغنوشي، الذي عادة ما يجنح الى الخطابات الهادئة مع الأحزاب والشخصيات التونسية والدول الاقليمية والدولية، ويترقب بل يتوسع في الترقب حتى يحين الموعد، والرجل ليس من هواة حرق مراكب العودة، ويرغب في ابقاء الجسور ممدودة مهما كانت درجة التوتر بينه وبين الشخصية الاخرى او الجهة الاخرى، وهوعلى استعداد للتحرك في كل الاتجاهات، على غرار زيارته الى المملكة العربية في صيف 2015، وزياراته المتكررة للجزائر وزياراته للصين وغيرها، كل هذه الزيارات لم تكن تقليدية تهدف الى تبادل وجهات النظر فحسب، كانت زيارة السعودية حمالة وزيارة الجزائر مفعمة وزيارة الصين استراتيجية، يهدف منها الغنوشي الى توسيع شبكة علاقات حركته، الى جانب التمكين للدبلوماسية الشعبية، و تهدف بكين الى الاقتراب اكثر من الأحزاب المؤثرة في بلدانها استعدادا لعملية توسع كبيرة ستطلقها الصين خلال العشرية المقبلة “2020-2030”.
جاءت زيارة الغنوشي، وفرنسا على يقين ان الزمن الذي يفصل تونس عن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لا يسمح ببعث قوة سياسية علمانية تقارب او تضاهي النهضة، جاءت الزيارة ايضا وجناح فرنسا في الجزائر تعرض الى عملية سحق ممنهجة، واستقام الأمر لقيادة عسكرية ليست متحمسة للدخول في حالة عشق مع فرنسا او تجديد العشق القديم الذي كان يمارسه النظام السابق. هذا دون ان نتغافل عن فشل العملية الجراحية التي اشرف عليها حفتر واسندتها فرنسا، وكانت تهدف الى إخضاع طرابلس في زمن يتراوح بين 48 و 72 ساعة، فكان ان تحولت العملية الجراحية المحدودة الى كارثة انسانية. الى جانب ذلك حاولت فرنسا تجاهل الغنوشي الذي مد الجسور مع برلين، القطب الاوروبي الاكبر، ومع دول اخرى، كانت فرنسا تترقب الحزب العلماني الكبير الذي ستمد معه الجسور وتحافظ على مصالحها بمعيته، لكنها اخيرا تيقنت ان الحزب المنشود مازال يعاني من الإجهاض المبكر، لم يصل حتى إلى مرحلة التخلّق، ينتهي مباشرة بعد تلقيح البويضة، يعمر لعدة أيام ثم يتحلل بفعل النرجسية وبفعل غياب البرنامج والتركيز الكلي على الضد على إسقاط الآخر على سحب البساط ..مشكلة فرنسا ان الاحزاب التي تترقب ميلادها، لا تمارس علاقة شرعية لانجاب مولود شرعي ينمو في الكنف الطبيعي، تحت لافتة فطرة التناسل وسنن الاعمار، بل يأتي المولود نتيجة شهوة مخادنة، رغبت في انتاج او تصنيع جنين، حين يلد تشحنه بالفيتامينات، وتعطيه بندقية ومتفجرات وترسله لقتل النهضة.. انهم يصنعون الأحزاب لقتل شركاء الوطن وليس لإعمار الوطن !
عندما نراجع السجال بين الغنوشي وخصومه، ونجد ان في رصيده صفر ردود متشنجة، ندرك انه يتعمد تنظيف الطرق وتنقية الممرات المؤدية الى بيت النهضة، ثم يجلس في الباحة ليمارس الانتظار، حين خرج من عند السبسي الذي أخبره بالقطيعة، لم يقطع الغنوشي، كان يدرك ان السبسي سياتي وان مرزوق سياتي وان الشاهد سياتي وان مرجان سياتي… وان فرنسا ستاتي.
أحدث التعليقات