قبل ايام من موعد الانتخابات التشريعية يوم 17 ديسمبر الجاري بدت الحملة الانتخابية للمرشحين باهتة و محتشمة وسط لامبالاة الشارع التونسي المنشغل بكأس العالم و اوضاعه المعيشية الصعبة .
.
و من المفارقات ان 10 مرشحين ضمنوا فوزهم بمقاعد داخل مجلس النواب قبل الموعد الانتخابي بسبب انفرادهم بالترشح في بعض الدوائر خاصة في العاصمة .
عندما نعود الى الاستحقاقات السابقة نجد ان انتخابات 2019 شارك فيها نحو 15 ألف مترشح بين قائمات حزبية و أخرى مستقلة و كانت محط انظار العالم الذي شهد بنزاهتها و مصداقيتها .. لكن الانتخابات القادمة ستكون وفق القانون الانتخابي الذي وضعه الرئيس قيس سعيد بمفرده دون العودة حتى للهيئة المشرفة على الانتخابات..ستكون انتخابات وفق تصورات الرئيس و افكاره التي يروجها بعض المفسرين القريبين منه ، لقد همش الأحزاب دون ان يقصيها و الانتخاب سيكون على الأفراد و ليس على القائمات و بشروط ترشح قاسية .
طبعا أغلب احزاب المعارضة قررت مقاطعة الانتخابات و اعتبرت قيس سعيد منقلبا على الدستور و يكرس حكما فرديا سلطويا بعد أن حل جميع المؤسسات المنتخبة ، اما بقية الاحزاب المساندة له و مناصروه فقد عحز بعضهم عن جمع التزكيات المطلوبة لانهم يفتقدون للعمق الشعبي كما انتشر المال السياسي و الرشاوى و تحولت الفترة التي تسبق تقديم الترشحات الى سوق كبير و تبادل للاتهامات و انتشرت نزعة العروشية و القبلية في الجهات الداخلية .. وهو واقع لم ينكره الرئيس قيس سعيد و طالب بمحاسبة كل من تورط في شراء التزكيات .
اما أحزاب الموالاة فقد وجدت نفسها في ورطة بعد ان عجز بعض قادتها عن جمع التزكيات و خير آخرون الانسحاب من السباق خشية الفضيحة ،، و للتغطية على فشلهم صاروا يوجهون اتهمامات مضحكة الى الهيئة العليا للانتخابات ، لذلك طالبوا رئيس الدولة و الهيئة بتيسير شروط الترشح لكن خاب أملهم .
و من غرائب الامور ان سبعة دوائر انتخابية لم تسجل ترشحات خاصة في الخارج وهو ما يجعل مجلس النواب المرتقب منقوص عدديا ( أقل من 161 نائبا المفترضين) علما ان المجلس السابق يضم 217 نائبا ، و الواقع ان هذا الرقم لا يتناسب مع التطور الديمغرافي الذي تشهده تونس . كما بدا عدد النساء المترشحات قليلا و لم يتجاوز 57 امرأة و سيتذكر التونسيون قانون التناصف الذي ناضلت من اجله منظمات المجتمع المدني و الجمعيات النسوية .
لن يكون موعد 17 ديسمبر 2022 مثل سابقيه من المواعيد الانتخابية التي عاشتها تونس بعد مقاطعة الاحزاب الكبرى مثل حركة النهضة و الحزب الدستوري الحر و ائتلاف الكرامة و تحالف الأحزاب الديمقراطية الذي يضم خمسة أحزاب اجتماعية و يسارية ، و سنشهد مقاطعة واسعة لأن الأحزاب هي التي تحشد قواعدها للمشاركة ،، كما غابت المناظرات التلفزية و التجمعات الانتخابية و صراع البرامج و المشاريع.
سيكون مجلسا نيابيا لانصار الرئيس قيس سعيد و للمؤمنين بمشروعه في تكريس البناء القاعدي و الحكم الرئاسوي و لن يمارس دورا رقابيا بل مجلسا ذو صلاحيات شكلية ،، اما عن تركيبته فلن توجد كتل وازنة بل أشتات متفرقة ، و ربما سيتنافس الجميع ليكونوا كتلة الرئيس .
*كاتب و محلل سياسي