بعد اعلام العار، جاء الدور على بورتريه العار !
استضافت قناة فرنسا 24 الناطقة بالعربية رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، وذلك بمناسبة زيارته إلى فرنسا، القناة استعدت الغنوشي للقيام بحوار لبرنامج “باريس تونس” الذي ينشطه الإعلامي التونسي مجيد توفيق، ويبدو ان مجيد الذي عرف بمواقفه المعادية للنهضة وعلاقته الوطيدة مع قوى الاستئصال في تونس، يبدو ومع إطار الزيارة وملابساتها استحال عليه الانحراف بالحوار مع راشد الغنوشي، ربما هي التوصيات فمصالح فرنسا المادية هذه الأيام أقوى بكثير من أجندتها الثقافية المتطرفة.
اذًا نجح مجيد بشيء من التصنع والخفة الركيكة، في الجنوح بالحوار بعيدا عن التوصيات التي وصلته والتي الح أصحابها على إحراج رئيس حركة النهضة، لكن اتضح ان ما تريده فرنسا يتعارض مع ما يرده حزبها في تونس، فاليوم وأمام خيبة حفتر وسقوط حزبها في الجزائر وترهل مجتمعها المدني الصغير في تونس، وتراجعه لحساب المجتمع المدني التونسي، أمام كل ذلك لم يعد لباريس الوقت ولا الجهد لتمويل ودعم الاحتراب الثقافي والانتصار لقوى فشلت في مسك نفسها من السقوط ناهيك عن فشلها في الترويج للمنتوج الفرنسي كما فشلت في الترويج للمنتوج الإماراتي، لا هي نجحت في البناء لصالح تونس ولا نجحت في التخريب لصالح غلمان زايد.
خرج مجيد من الحوار مع الغنوشي دون ان ينحدر إلى مستنقع اعلام العار، أما الذي لم ينتبه اليه الكثير هو ان مجيد ومن ساعده في اعداد البرنامج، غرقوا إلى أذقانهم في اسلوب اعلام العار، من خلال البورتريه الذي مهد به وقدم من خلاله راشد الغنوشي بشكل ماكر، فقد مرر عبر المقدمة ما كان يدرك ان الحوار لا يسعه. تعرض البورتريه الى دراسة الغنوشي في جامع الزيتونة وحصوله على شهادة في أصول الدين، ثم ذكر انه اتم دراسته في القاهرة ثم دمشق، والسياق هنا يقتضي ان الدراسة هي تكملة لما سبق أي ماجستير او دكتوراه في أصول الدين، وتغاضى عمدا عن دراسة الفلسفة وتدريسها ليعطي انطباعا بأن كل حياة الرجل محبوسة الى الدعوة والكتب الدينية،وما يعنيه ذلك لدى المحيط الذي يخاطبه البرنامج، ثم تذكر المقدمة ان الغنوشي امتهن النشاط الدعوي اضافة الى تأسيسه لعدد من الهيئات الإسلامية. ايضا اختزل البورتريه صراع الغنوشي مع بورقيبة الذي دار حول الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وحرية التنظم وحرية الأحزاب، اختزله في عداء الغنوشي لبروقيبة لأنه سعى الى تركيز العلمانية في البلاد ومحاربة الاسلام.. كان البرنامج يصر على تقديم الغنوشي رجل الدين وليس الغنوشي رجل الدولة والسياسة، الغنوشي الذي درس الدين فقط، الغنوشي الذي حارب خصومه من أجل الدين فقط، الغنوشي الذي ولج الى الدولة من بوابة الدين والدعوة وليس من بوابة النضال السياسي.
وحول مرحلة بن علي اكتفى التقرير بالقول ان الغنوشي “فر” من البلاد بعد ان ساءت علاقته مع بن علي، إذْ لا شيء عن القمع ولا عن الوعود التي تراجع عنها الجنرال والاهم لا شيء عن الانتخابات التي فازت بها القوائم المستقلة “النهضة” وزورها بن علي واتخذ على اثرها قرار اجتثاث النهضة من جذورها وانتداب جيوشا من الاستئصاليين للإشراف على خطة تجفيف المنابع. كما اكد التقرير ان الغنوشي قدم الكثير من المحاضرات اثناء المؤتمرات الاسلامية والدينية، حول العالم بصفته نائب لرئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والاكيد ان هذه المعطيات غير موجهة للداخل التونسي وإلا فإنها مشرفة لرجل أبلى البلاء الحسن في خدمة دينية، لكنها موجهة الى الفرنسيين والطبقات العلمانية اللائكية. كان الهدف إبراز الغنوشي الديني و إضمار الغنوشي السياسي الذي درس الفلسفة وحاضر في السياسة والعلاقات والحضارات وسوق للتجربة التونسية ونسج علاقات مترامية حول العالم، تعرف فيها الجنس الأصفر والاشقر والاسمر على الغنوشي رجل الدولة والسياسة، فلا الصين ولا ايطاليا ولا بقية الدول التي زارها ولا عشرات السفراء الذي قصدوا مونبليزير للقائه، كانوا يطلبون رجل الدين كما أرادت فرنسا 24 التسويق لذلك! بل كانوا يطلبون رجل الدولة وأحد ركائز التجربة السياسية في تونس.
نصرالدين السويلمي
أحدث التعليقات