ضابط شرطة يكشف أبشع قصص التعذيب في عهد بن علي.. شهادات صادمة وروايات مروّعة (صور)
صرح أمس الخميس صلاح دخايلية ضابط شرطة مساعد سابق بوزارة الداخلية وهو ضمن ما عرفت ب”مجموعة الإنقاذ الوطني” التي اتهمت عام 1987 بالتخطيط للقيام بانقلاب على الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة حيث قال خلال ادلائه بشهادته كمتضرر في القضية انه يتمسك بتصريحاته أمام هيئة الحقيقة والكرامة وأنه كان انتدب بسلك الأمن منذ 1975وقبل القبض عليه كان يعمل بإدارة الإعلامية بوزارة الداخلية وهي إحدى الإدارات الأكثر تحديثا وأهمية إلى أن فوجىء بتاريخ 17 ديسمبر 1887 بالقبض عليه بمنزله بمنطقة العقبة من طرف رئيسه في العمل الذي كان مرفوقا بمجموعة من الأمنيين وتمت اهانته أمام زوجته وأبنائه وتم تعنيفه وتكبيل يديه كما تم تفتيش منزله وإزالة معلقات حائطية وكتب دينية ونقل إلى مقر فرقة الأبحاث والتفتيش ببوشوشة والتي كان يراسها المنسوب اليه الانتهاك محمد الناصر عليبي المعروف باسم حمادي حلاس الذي كان راج عنه كثيرا شذوذه الجنسي بكونه كان يعمد في اطار عمليات التعذيب إلى اغتصاب الفتيات القاصرات الآتي كان يتم إيقافهن.
وأضاف أنه وجد بمقر فر قة الأبحاث والتفتيش ببوشوشة حوالي 15 نفرا من الموقوفين الآخرين بينهم الرائد أحمد العوادي ومحمد المنصوري وحسن الدريدي… ثم أدخل إلى إحدى الغرف من طرف أربعة جلادين بينهم جلال العياري الملقب برمبو ومحمد الناصر شهر أحمد حلاس وكانت بتلك الغرفة طاولتان وعصا غليظة تستعمل لتعليق الموقوفين ومجموعة من الهراوات مختلفة الأشكال والأحجام والسلاسل وتم تجريده من ملابسه وتم تعليقه في وضع الدجاجة المصلية بطريقة خاصة يعرفها الجلادون وهي تتسبب للشخص الذي يتم تعذيبه في تورم الساعدين…مؤكدا أنه تم تعليقه بتلك الكيفية لمدة 17 ساعة مضيفا ان المنسوب إليه الانتهاك محمد الطاهر دخايلية شهر “كجيبي ” شارك في تعذيبه كما عمد إلى إدخال قطعة خشبية بدبره وهدده في مناسبة ثانية بواسطة مسدسه حيث وضعه على مستوى صدره واوهمه انه سيطلق عليه الرصاص كما كان يعمد إلى ضربه بواسطة هراوة على عنقه من الخلف مما أثر عليه بشكل كبير على الأعصاب بين الرأس والكتفين مضيفا أنه يعرف المنسوب إليه الانتهاك محمد الطاهر دلايبية منذ فترة الدراسة.
وتابع بأن أعمال التعذيب كانت لغاية انتزاع اعترافات منه ومعلومات عن أفراد مجموعة “الإنقاذ الوطني” رغم أنه لا علاقة له مطلقا بتلك المجموعة ولا يعرف أي منهم. مضيفا أن من بين أعمال التعذيب التي تعرض لها بثكنة الامن العمومي ببوشوشة وتحديدا بمقر فرقة الأبحاث والتفتيش ايداعه بزنزانة انفرادية مع حصير بال ومده بوجبة لا تسد الرمق متمثلة في قطعة من الخبز تكاد تكون جافة ملاحظا انه تم التخفيف في أعمال التعذيب عنه وعن بقية الموقوفين بعد أن وردت أنباء عن وفاة الرائد محمد المنصوري تحت التعذيب في غرة ديسمبر 1987.
واضاف أنه بعد قضاء حوالي الشهر بتلك الثكنة نقل صحبة البقية إلى وزارة الداخلية أين تاكدوا من وفاة الرائد محمد المنصوري بدهاليز الداخلية بعد تعذيبه مشيرا انه تمت الاستعانة بالدكتور الصحبي العمري الذي كان موقوفا لمعاينة الجثة وتم تجميعهم بالوزارة ثم احيلوا على قاضي التحقيق الذي كان اجبرهم بدوره على الإدلاء بنفس التصريحات التي كانت تضمنتها محاضر البحث وهدده باخضاعه مرة أخرى للتعذيب في صورة عدم امضائه ثم اودع بسجن 9 أفريل بجناح “e” ثم جناح “d” وداخل السجن تم ترهيبه وبقية الموقوفين بالكلاب مضيفا أن مفاوضات حصلت بين بعض الممثلين عن الموقوفين والسلطة وكان الحبيب عمار غير امين في تلك المهمة وكان ينقل لبن علي معلومات مغلوطة كانت يمكن أن تؤدي إلى إعدام العديد منهم ولكن بن علي لم يكن مقتنعا بما كان ينقل إليه فتولى التخلي عن الحبيب عمار وعين مفاوضا آخر وهو المرحوم أحمد القطاري المدير العام للسجون في ذلك الوقت وقد كان أمينا ونزيها وبفضله أفضت المفاوضات إلى إطلاق سراح المجموعة خاصة وأن بن علي كان حينها محرجا وملزما بالإفراج عنهم بسبب انتهاء مدة الإيقاف التحفظي مضيفا أنه تم عزله من سلك الأمن ومنح أجرة عن مدة الإيقاف التي بلغت عام ونصف تقريبا واضطر للعمل في حضائر البناء وبعض المصانع إلى أن بلغ سن التقاعد.
ولاحظ أن من بين الأشخاص الذين كانوا يمارسون التعذيب على الموقوفين بإدارة أمن الدولة “الزو” و “بوكاسا”واخر مشيرا أن مأساة أفراد مجموعة الانقاذ الوطني استمرت حتى بعد. مغادرة السجن إذ كان يتم استهدافهم أثناء كل حملة أمنية مشيرا انه القي عليه القبض مرة أخرى في إطار ما يعرف بالمجموعة الامنية الثانية مضيفا أن حالات الطلاق القسري في صفوف مجموعة الإنقاذ الوطني بلغ 15 حالة.
تاريخ بن علي الدموي
أثارت قضايا التعذيب التي تحدثت عنها مؤخرا هيئات حقوقية وبعض المحامين قلقا واسعا في الأوساط المهتمة بحقوق الإنسان في تونس خاصة وأنها تعيد الى الذاكرة شيئا مما كانت تمارسه بعض الجهات الأمنية من انتهاكات زمن ما قبل الثورة، حيث شكّل التعذيب والاعتداء على الحرمة الجسدية للمعارضين والمشتبه فيهم أمنيا ممارسة منهجية ومتواصلة.
وبنظرة سريعة لتاريخ التعذيب في تونس يمكن القول إن حالات الاعتداء والاختطاف والتصفية خارج القانون قد بدأت قبل الإعلان الرسمي لاستقلال تونس (20 مارس 1956)، فاستباقا لإعلان الاستقلال الداخلي ( جوان 1955 ) بدأ أنصار الجناح البورقيبي بتشكيل ما سيُعرف حينها بلجان الرعاية بداية من أفريل 1955 وستتشكل من مجموعات من أتباع الخط البورقيبي في مواجهة الخط اليوسفي (نسبة للزعيم صالح بن يوسف الذي تمت تصفيته هو ذاته بتاريخ 12 أوت 1961 بألمانيا).
وقد أنشأ هؤلاء لأنفسهم مواقع للتعذيب والاعتقال والقتل دون محاكمة ودون قانون أو احترام للحد الأدنى من الحقوق الإنسانية ومن أشهر مواقع التعذيب في ذلك الوقت هو المعتقل الكائن بنهج الباشا، بقلب المدينة العتيقة بالعاصمة،هذا المعتقل الذي سيُعرف فيما بعد تحت اسم ” صبّــاط الظلام ” لظلمته ووحشته وضيقه .. والذي سيصبح وصمة عار في تاريخ دولة ما بعد الاستقلال وأسس لتقليد بغيض استمرّ طيلة الحكم البورقيبي ومن بعده حكم المخلوع بن علي حيث يتم تعذيب المعتقلين السياسيين وتصفيتهم جسديا خارج حكم القانون..
قبو للسجناء السياسيين في معتقل الناظور شمال تونس
ما يجدر ملاحظته أن نشاط لجان الرعاية استمر من تاريخ أفريل 1955 الى جانفي 1956 وربما أكثر من هذا لأن عناصر هذه المجموعات أصبحت في ما بعد تحظى بحماية الدولة بوصفهم عاملين بصفوف الأمن والشرطة. لقد تحول التعذيب لممارسة شبه رسمية غير معلنة شملت كل معارضي السلطة بداية بالمتهمين في المحاولة الانقلابية لسنة 1963 ومرورا بمحاكمات اليسار التونسي ( المنتمين لمجموعة برسبكتيف) في الستينات أو للعامل التونسي في السبعينات واستمرت طريقة التعامل الغير إنسانية مع المعارضين السياسيين طيلة حكم الرئيس بورقيبة حيث مست طيفا واسعا من الناشطين السياسيين ومن حساسيات مختلفة من اليسار والقوميين والإسلاميين ومن النقابيين.
أقبية وزارة الداخلية التونسية التي كان يحتجز فيها المعارضون
وبعد انقلاب 7 نوفمبر 1987 ووصول زين العابدين بن علي للسلطة تحوّل التعذيب الى جزء أساسي من عمل الجهات الأمنية وهو الأمر الذي أفضى الى حصول حالات وفاة عديدة في مخافر الشرطة والسجون سواء تحت التعذيب أو أثناء قضاء مدة العقوبة في المعتقلات وهو أمر كانت تشير إليه المنظمات الحقوقية التونسية أو الدولية في تقاريرها السنوية طيلة سنوات حكم بن علي التي استمرت ثلاث وعشرين سنة.
ويمكن في هذا المجال ذكر أمثلة لناشطين سياسيين قضوا نحبهم أثناء الاعتقال بداية من الرائد محمد المنصوري ومرورا بنبيل البركاتي وهو ناشط يساري ينتمي الى حزب العمال ولتتوسع ظاهرة التعذيب ويزداد عدد المتوفين أثناء الحملة على التيار الإسلامي طيلة التسعينات ومن أبرز ضحايا الانتهاكات الأمنية في تلك الفترة نذكر فيصل بركات ورشيد الشماخي وعبد الرؤوف العريبي وغيرهم كما توفي في السجون عدد آخر نتيجة الإهمال الطبي وسوء المعاملة منهم سحنون الجوهري والهاشمي المكي الخ ..
وفي إحصائية أولية لعدد ضحايا التعذيب والإهمال في سجون بن علي نشرتها جمعية “حرية وإنصاف” الحقوقية تم ذكر أسماء 25 ناشطا قتلوا تحت التعذيب وأكثر من 28 ناشط سياسي ماتوا نتيجة الإهمال وما لحق بهم من انتهاكات جسدية تسببت لهم في عاهات جسدية ونفسية خطيرة.
لقد تحول التعذيب الى أداة لبث الخوف والترهيب في صفوف الناشطين السياسيين زمن حكم بن علي حيث كانت ممارسة التعنيف والترهيب الجسدي والنفسي على المعتقلين جزء من عمل الأجهزة الأمنية التي لا تخضع للمراقبة أو المحاسبة وهو أمر ظل مستمرا طيلة فترة حكم زين العابدين بن علي وشمل فئات متنوعة من ناشطين طلابيين ونقابيين وآخرين متهمين بالإرهاب وهو أمر نبهت إليه المنظمات الحقوقية بصورة متواصلة.
ففي تقرير المجلس الوطني للحريات الصادر بتاريخ 15 مارس 2000 ورد ما يلي: “.. لم يعد أحد في تونس في مأمن من التعذيب والسجن التعسّفي والعقاب الجماعي والمحاكمات الجائرة، والاعتداء الجسدي، والحرمان من الشغل وخرق حرمة الحياة الخاصة والحرمان من حق التنقّل. وبجُرْح مواطنين بسبب استعمال السلاح الناري ضدّهم، وبأكثر من ثلاثين حالة وفاة تحت التعذيب، وبملاحقة الإسلاميين ومناضلي أقصى اليسار ملاحقة شرسة، وتفكيك الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وفبركة شرائط الفضائح الجنسيّة، واتّباع “سياسة الأرض المحروقة” بهدف تحييد كلّ العاملين على إيجاد سلطة موازية (الاتحاد العام التونسي للشغل، جمعية القضاة، عمادة المحامين، جمعية الصحافيين التونسيين، ومنظمات أخرى غير حكومية )”.
الشهيدان فيصل بركات ورشيد الشماخي قتلا تحت التعذيب في أكتوبر 1991
لقد تحول التعذيب والانتهاك للحرمات الى جزء من السياسة الرسمية المعتمدة لضرب الحريات ومنع النشاط السياسي وكل أشكال المعارضة.
وهذا القمع المتصاعد أفضى في النهاية إلى خلق الأرضية المناسبة لانفجار الثورة التونسية ذات 17 ديسمبر 2010 التي تُوجت فعالياتها بفرار بن علي وتشكل سلطة سياسية جديدة منتخبة أقرت دستورا جديدا وركزت على حماية حقوق الإنسان حيث تم تخصيص فصل كامل للحقوق والحريات في الدستور التونسي الذي اقره المجلس التأسيسي بتاريخ 26 جانفي 2014 وجاء في الفصل 23 ما نصه “تحمي الدولة كرامة الذات البشرية وحرمة الجسد وتمنع التعذيب المعنوي والمادي، ولا تسقط جريمة التعذيب بالتقادم”.
ورغم أنه لا يمكن إنكار أهمية العمل الأمني في مواجهة النزعات العنيفة والمحاولات الإرهابية الساعية إلى خلخلة الأمن الداخلي لتونس فإنه من الضروري أن تتم كل النشاطات الأمنية في ظل القانون وباحترام كامل للدستور التونسي وهذا معنى التحول الديمقراطي الحقيقي الذي يتجاوز مجرد الحديث عن التعددية السياسية والعمليات الانتخابية ليمتد نحو حفظ كرامة المواطن واحترام منظومة الحقوق والحريات.
أحدث التعليقات