مسألة الميراث ستؤثر في الانتخابات التونسية.. ”خليك من العربية والحدث وركز معايا في الموضوع”

 

نصرالدين السويلمي

من المؤكد ان التجاذبات حول الميراث بغض النظر عن مآلاتها ، ستساعد في توضيح الرؤية لشرائح كبيرة من المجتمع التونسي، سوى تلك التي تعتني بالهوية وتقدمها على من سواها، أو الشريحة الباردة تجاه كل ما يمت للثوابت بصلة وتعتبر الدفاع عن الهوية نوعا من التعتيم على القضايا المعيشية، وهي شريحة لا تصادم المقدس لكنها تبجل الوضعي عليه وغير مستعدة لصرف وقتها ومجهودها في أي نوع من الدفاع أو التخندق مع ثوابت، في المقابل هناك شريحة ثالثة أظهرت استماتة كبيرة في مناكفة كل ما يمت للهوية بصلة، وأبدت حساسية مفرطة تجاه المقدس وأصبحت تعادي على شرطه وتوالي على شرطه، تصل من قطعه وتقطع من وصله.

لذلك يمكن القول ان طرح الهوية قبل الانتخابات قدم فرصة ذهبية للشعب كي يتعرف على وجهة هذا الحزب وذلك، لأن المجتمع التونسي بعيدا عن معادلة الاغلبية والاقلية، فيه شرائح لا تعنيها الهوية وتعتبرها مذمة وتعتبر الخوض فيها نوعا من التعتيم عن القضايا الاصلية، اضافة الى تبديد الوقت في مسائل هامشية وبعضهم عدها “حقيرة”، هذه الشريحة كانت تبحث عن توضيح الرؤية وتأكدت اليوم من خلال قانون الميراث الاختباري، من الذي يحمل أفكارها ويدافع عن خياراتها وينحاز إليها وينبذ الهوية التي تنبذها، في المقابل هناك شريحة أخرى تنحاز الى مقدسات البلاد وهوية الشعب، وترغب في اختبار الأحزاب حين تصبح ثوابت المجتمع تحت مرمى نيران القوى التي تسعى لتنقية تونس من شبهة الهوية، وتصر على استغلال مناخات ما بعد الثورة لمسح الإسلام من المجتمع واضطراره إلى المسجد ثم إغلاق الباب عليه بأشكال محكمة.

إذا هي فرصة ثمينة ستساعد المكون السياسي في توضيح انحيازاته بشكل علني، وتساعد الناخب في الاختيار عن رويّة، فقط لا يجب ان تعتمد بعض الاحزاب والشخصيات على النفاق والخداع وتنخرط في مستنقعات الانتهازية، حين تنحاز فجأة الى الهوية كذبا ونفاقا، أو تنحاز ضد الهوية لطلب ود شريحة تكره الهوية، تلك صنيعة التافه والخسيس والوضيع واللئيم، صنيعة الذين سيخدعون تونس لزمن وجيز ثم يكشفهم الشعب ويرسل بهم إلى أقرب مزبلة للنفايات. 
الكثير من الدول ونخبها المتذيلة، وحين تطرح فكرة حكم الشعوب يشرعون في اغراق المجتمع بالتهديد والوعيد، ستجتاحكم القوى الاسلامية ستغمركم القوى اليسارية، سيداهمكم الطرف الديني، سيعصف التطرف اللائكي بالنسيج المجتمعي، وغيرها من التعلات، كل ذلك من اجل ان تبقى الدبابة جاثمة والأسرة حاكمة والملوك والسلاطين يتوسعون في الحكم والهتك، كذلك هزفت نخب المذلة على مدار العقود السابقة، بينما قلة قليلة من النخب طرحت السؤال المهم : الى متى؟ ولماذا تأخير الذي سيأتي حتما؟ وان كانت كل هذه المخاوف والمخاطر حقيقة، لما لا يواجهها المجتمع اليوم، لماذا تُؤجل لتستفحل وتتعفن مقابل منح المزيد من الوقت للدولة الشمولية! 

لعل تونس الدولة العربية الوحيدة التي أعرضت عن هذا التأجيل الكارثي، ورفضت إخماد الاختلاف المدني المؤلم والمكلف بقوة الثكنات، لعل تونس الوحيدة التي قررت ان تواجه.. ان تناقش.. ان تخطئ.. ان تتعب.. ان تبدأ رحلة الصدام المدني العنيف و المخيف، لعلها الوحيدة التي سحبت جيشها وامنها من الساحات المدنية، وتركت النخب والساسة والعائلات الفكرية تتناقش.. تتنافس.. تتباغض.. تتشاجر..لقد أيقنت بلادنا بحسها الحضاري ان الدبابات التي تحتل ساحات الفعل السياسي والفكري بحجة الخوف من الانفلات، انما هي تطيل عمر التخمر وتسهم في تحويل انفلوزنا الانفلات الى اوبئة الانفلات المستعصي، وان الحل الوحيد يكمن في إخلاء الساحة أمام الاشتباك المدني الذي لا مفر منه، والذي لابد ان ينتهي في الاخير الى تنازلات من هنا وهناك، ثم وفي الاخير سيلتقي الجميع على أريكة الوطن.. لقد رفضنا لغة البراميل ورفضنا لغة كتائب البارود، ورفضنا لغة القتل الجماعي ورفضنا لغة عيال زايد ورفضنا لغة الضبع الطبرقي…. وقبلنا لغة تونس.. لغة باهية برشا، فهمناها فيسع فيسع. 

You may also like...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: